دليل المعيد في كلية الإعلام لدمج الذكاء الاصطناعي في التدريس
إعداد: هادي جعفر
[email protected] +96170681551 LinkedIn, Instagram: @hadyjaafar
تمهيد
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي مكان الصحفي؟
السؤال الذي يشغل بال معظم طلاب الإعلام اليوم ليس تقنيًا، بل وجوديًا: "هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي مكاننا؟". فبعد أن أصبح قادرًا على تحرير النصوص، تصميم الجرافيك، تقديم الأخبار، بل وحتى محاورة الضيوف عبر مذيعين افتراضيين، يظهر القلق: هل انتهى دور الصحفي؟
هنا يأتي دور المعيد الجامعي كأول من يواجه هذه الأسئلة داخل الصف، ليكون:
1
مصدر طمأنة معرفية
الذكاء الاصطناعي لن يُقصي الصحفي أو المبدع، بل سيُغيّر أدواته. الطالب يجب أن يستخدم الأدوات ليصبح صحفيًا أكثر كفاءة وابتكارًا، ولكن الجوهر هو التفكير النقدي والإبداعي الذي يمتلكه الإنسان.
2
مُرشد في التحوّل المهني
يوضح للطلاب أن الوظائف الإعلامية ستتطور، وأن وظائف جديدة بدأت في الظهور مثل:
  • مهندس سرد (Story Engineer): يصمّم زاوية التناول ويوجّه الخوارزمية.
  • محرر خوارزميات (AI Editor): يتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي.
  • مراقب أخلاقيات المحتوى (Content Ethics Officer): يضمن خلو المحتوى من التحيّز.
3
مُدرّب على المهارات الجديدة
مثل تحليل البيانات، هندسة الأوامر، والتفكير التصميمي في المحتوى.
أهداف الدليل
هذا الدليل يهدف إلى تمكين المعيد من:
  • فهم تحولات الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي.
  • تدريب الطلبة على أدوات وتقنيات حديثة.
  • دمج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية بمسؤولية ووعي.
المحور الأول: الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى الصحفي
كيف تغيّر دور المحرر إلى "مهندس قصة"؟
لم يعد دور الصحفي أو المحرر يقتصر على جمع المعلومات وتحريرها فقط، بل أصبح بمثابة "مصمّم سردي" يعمل على توجيه الذكاء الاصطناعي نحو زاوية معينة للمعالجة، واختيار أسلوب العرض الأنسب للجمهور. فـ"مهندس القصة" يستخدم أدوات مثل ChatGPT لتوليد زوايا متعددة للخبر، ثم يقيّم الأفضل منها بناءً على القيمة الإخبارية والسياق.
كما أن الصحفي لا يبدأ الكتابة من فراغ، بل يُدخل بيانات ومعلومات خام إلى نموذج الذكاء الاصطناعي، ويوجّهه بأسئلة محددة ليحصل على مسودات أولية، أو تفسيرات، أو مقارنات، فيختار منها ويعيد تشكيلها وفقًا لمعايير التحرير.
هذا الدور الجديد يتطلب مهارات مثل:
فهم عميق للبيانات وسياقها الإعلامي.
إجادة كتابة التعليمات (Prompts) بدقة.
القدرة على تحليل المخرجات والتعديل عليها.
وعي أخلاقي بمخاطر التحيز أو التضليل الناتج عن الخوارزميات.
وبالتالي، فإن مهندس القصة هو همزة الوصل بين التكنولوجيا والرسالة الإعلامية، يوجّه الذكاء الاصطناعي بدل أن يُستبدَل به.
لم يعد الصحفي فقط جامعًا للمعلومات، بل أصبح مسؤولًا عن تصميم زاوية التناول، وتحديد المدخل السردي للخبر عبر توجيه الخوارزمية.
ويجب على الصحفي ن يعرف كيف يستخدم انظمة تجمع البيانات من مصادر مباشرة (مثل أنظمة نتائج المباريات أو أسواق المال)، وتولّد نصوصًا إخبارية أو مقاطع فيديو تعرض أبرز التطورات خلال دقائق. على سبيل المثال، يمكن لنظام AI أن يُنتج تقريرًا عن مباراة كرة قدم بمجرد نهايتها، يتضمّن النتيجة، ترتيب اللاعبين، لقطات من المباراة، وتحليل فني دقيق دون تدخل صحفي مباشر.
الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات الاعلامية
لم تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي خيارًا تجريبيًا داخل المؤسسات الإعلامية الكبرى، بل أصبحت جزءًا من البنية الأساسية للعمل التحريري والبث الرقمي. من غرف الأخبار إلى وحدات الإنتاج والتفاعل مع الجمهور، بدأ الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولًا جذريًا في طريقة صناعة الأخبار وتوزيعها وتحليلها. لقد أصبح اليوم حليفًا قويًا في تسريع التحرير، تخصيص المحتوى، إنتاج الفيديو، وتوجيه الجمهور.
أمثلة بارزة عالميًا:
BBC
تعتمد أدوات ذكاء اصطناعي لتلخيص المقالات وتتبّع تفاعل الجمهور عبر المنصات الرقمية.
واشنطن بوست
تستخدم نظام Heliograf لكتابة تقارير تلقائية في تغطيات الانتخابات والرياضة.
رويترز
تستخدم أدوات لتحليل البيانات المالية وكتابة تقارير اقتصادية بشكل آلي.
CNBC
أدخلت تدريبًا منتظمًا لمحرريها على هندسة الأوامر (Prompt Engineering) لتحسين التكامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي.
Channel 1
قناة أميركية ناشئة تُدار بالكامل بواسطة مذيعين افتراضيين، وتُنتج الأخبار بتقنيات توليد تلقائي للصورة والصوت.
كل هذا يُظهر أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي الصحفي، بل يدفعه لإعادة تعريف أدواته، ويطرح الحاجة العاجلة لإعادة صياغة المهارات الإعلامية وفق واقع مهني جديد.
الذكاء الاصطناعي داخل كليات الاعلام

عمدت كليات الإعلام الدولية المرموقة إلى الدمج المباشر والعميق للذكاء الاصطناعي في برامجها. في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا مثلاً، أُطلقت مبادرة CJS2030 للذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى تدريب الطلبة والصحفيين على استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار بشكل أخلاقي ومسؤول. هذه المبادرة تشمل ورش عمل عملية وأبحاث تُدخل أدوات الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الصحفية والسرد القصصي المبتكر، وفي جامعة مدينة لندن تم تحديث المناهج لإضافة مقررات متقدمة مثل "AI-Enhanced News Reporting"
لا تزال خطوة الجامعات العربية في هذا المجال في مراحلها الأولى؛ فهي غالبًا ما تقدم مفاهيم عامة أو دورات تمهيدية عن الذكاء الاصطناعي لجميع الطلاب دون تفصيل دقيق لتطبيقات الإعلام، لكن بعض الجامعات مثل الجامعات في الإمارات، دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي ضمن مناهجها على نطاق واسع. على سبيل المثال، أعلنت جامعة الإمارات العربية المتحدة عن جعل مساقات الذكاء الاصطناعي متطلبًا جامعيًا إلزاميًا لجميع الطلاب.
المحور الثاني: دور المعيد الجامعي في عصر الذكاء الاصطناعي
أولًا – تطوير المعيد لقدراته في استخدامات الذكاء الاصطناعي
  • تعلم أدوات الذكاء الاصطناعي الأساسية (ChatGPT, HeyGen, Leonardo، Runway، Firefly).
  • اكتساب مهارات الكتابة التوجيهية (Prompt Engineering).
  • دمج أدوات الذكاء الاصط
  • ناعي في التحضير، الشرح، والإشراف الأكاديمي (مثل استخدام NotebookLM في تحليل مصادر القراءة ومساعدته في إعداد خطط المحاضرات).
  • استخدام أدوات مثل Notion AI في تنظيم الجداول الدراسية، وتصميم العروض التفاعلية.
  • إلمام بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي ومخاطره.
ثانيًا – ما يمكن تقديمه للطلاب
  • تعزيز التفكير النقدي حول مخرجات الذكاء الاصطناعي.
  • تدريب الطلاب على مهارة كتابة البرومبت Prompt
  • تدريبهم على استخدام أدوات الكتابة والتحرير بالذكاء الاصطناعي.
  • تنظيم ورش عملية في توليد المحتوى
  • توجيههم لفهم الوظائف الإعلامية الجديدة في السوق، وإشراكهم في مشاريع صغيرة يستخدمون فيها أدوات مثل ChatGPT وRunway عمليًا.
  • التجشيع على الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتقبله كمساعد
المحور الثالث: لمحة عامة – مفاهيم وكلمات مفتاحية مهمة
الفرق بين الذكاء الاصطناعي التقليدي والتوليدي (Generative AI)
مفاهيم أساسية مهمة قبل البدء:
Prompting
فن كتابة الأوامر بطريقة دقيقة للحصول على مخرجات فعّالة من أدوات الذكاء الاصطناعي.
Media Automation
استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الإعلامية مثل جدولة النشر أو تحرير النصوص.
Synthetic Media
المحتوى الذي يتم إنتاجه بشكل كامل أو جزئي باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (مثل الفيديوهات والصور الآلية).
Algorithmic Curation
عملية اختيار وتنسيق المحتوى تلقائيًا بناءً على اهتمامات الجمهور باستخدام الخوارزميات.
المحور الرابع: مهارة كتابة البرومبت
أهمية إتقان كتابة الـPrompt في العمل الإعلامي
لذا أصبح إتقان كتابة الـPrompt أشبه بإتقان القلم في الماضي، أو مهارة المونتاج في الإعلام الرقمي: أداة تعبير وتحرير لا غنى عنها.
ولا تقتصر أهمية هذه المهارة على السرعة والدقة، بل تمتد إلى:
  • تعزيز الإبداع الصحفي.
  • تخصيص المخرجات حسب الجمهور والسياق.
  • تقليل الحاجة للتعديل اليدوي.
  • رفع جودة المحتوى المكتوب والبصري.
في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، لم يعد السؤال هو "ما الأداة التي أستخدمها؟" فالأدوات متوفرة ومتنوعة، بل "كيف أوجّه الأداة لتخدمني؟". وهنا تأتي هندسة الأوامر (Prompt Engineering) كمهارة جوهرية لكل إعلامي يريد استخدام أدوات مثل ChatGPT، Gemini، أو Midjourney بفعالية.
إن جودة مخرجات الذكاء الاصطناعي ترتبط مباشرة بجودة الأمر الموجَّه إليه. فالأمر الضعيف يعطي محتوى عاديًا، بينما الأمر المُصاغ بدقة ينتج قصة متماسكة، محتوى بصري احترافي، أو تحليل متقدم للبيانات.
أساسيات صياغة الـ Prompt (الوضوح، السياق، الدور، الهدف)
الوضوح والدقة
كن محددًا قدر الإمكان في طلبك. بدلاً من قول "اكتب عن الاقتصاد"، قل "اكتب ملخصًا من 100 كلمة حول أسباب ارتفاع التضخم في مصر خلال الربع الأخير من عام 2024، مع التركيز على أسعار الطاقة وسلاسل التوريد".
تحديد الدور (Persona Prompting)
ابدأ بتحديد الدور الذي يجب أن يلعبه الذكاء الاصطناعي. مثال: "أنت صحفي اقتصادي خبير، ومهمتك هي شرح مفهوم التضخم لجمهور غير متخصص". هذا يساعد في تحديد النبرة والأسلوب ومستوى التفاصيل.
توفير السياق
قدم المعلومات الأساسية والسياق اللازم للذكاء الاصطناعي لفهم المهمة بشكل أفضل. يمكنك تقديم فقرة من مقال، أو نقاط رئيسية، أو بيانات محددة.
تحديد الهدف والشكل
حدد بوضوح ما هو المنتج النهائي الذي تريده. مثال: "الهدف هو إنشاء 5 اقتراحات لعناوين جذابة لهذا المقال، على ألا يتجاوز كل عنوان 10 كلمات"، أو "الهدف هو إنشاء مسودة لتقرير إخباري من 300 كلمة حول هذا الموضوع".
المحورالخامس: أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي للإعلاميين والأكاديميين
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاعلام تستخدم في: الكتابة، التحرير، التخطيط، البث، النشر.
الأدوات الواردة أدناه تمثّل أمثلة فقط، ويوجد لكل أداة بدائل أخرى تؤدي وظائف مشابهة. بعض الأدوات لا تدعم اللغة العربية بشكل جيد ولكن هناك تتطور ملحوظ في هذه الجزئية.
كتابة وتحرير
  • ChatGPT, Gemini – توليد النصوص وتحسين أسلوب الكتابة. – توليد إجابات متعددة الوسائط وبحث موسّع مدعوم بالذكاء الاصطناعي.
  • Manus – توليد مسودات ومقاطع محتوى مكتوبة أو مصورة بشكل سريع باستخدام أوامر موجهة.
  • Manus: أداة متخصصة في إنشاء مسودات بحثية واكاديمية وتحليل البيانات
صورة وفيديو
  • RunwayML – لتحرير الفيديو تلقائيًا وتوليد مشاهد داعمة.
  • Pictory – لتحويل المقالات إلى فيديوهات قصيرة تلقائيًا.
  • D-ID – لإنشاء وجوه ناطقة بالفيديو من صور ثابتة.
  • HeyGen – لإنشاء مذيعين آليين يقدمون محتوى بالفيديو.
  • Veo – لإنشاء مقاطع سينمائية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
  • Firefly – لإنشاء تصاميم وصور دعائية بواسطة الذكاء الاصطناعي.
  • Midjourney – لإنشاء صور فنية وتوضيحية عبر الأوامر النصية.
صوت وتعليق
  • ElevenLabs – توليد أصوات واقعية لنصوص مكتوبة.
  • PlayHT – تعليق صوتي متنوع بلغات ولهجات مختلفة.
  • Lovo – تعليق احترافي مع خيارات عاطفية متنوعة.
  • Murf – لإنشاء بودكاست وتعليقات تعليمية احترافية.
  • لهجاتي: أصوات عربية بلهجات متعددة.
المحور السادس: أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الإعلام، تبرز الحاجة إلى ترسيخ معايير أخلاقية تحكم استخدامه. فالذكاء الاصطناعي، رغم قدراته، ليس محايدًا بطبيعته، بل يتأثر بالبيانات التي يتعلم منها، مما قد يُنتج محتوى منحازًا أو مضللًا إذا لم يُراقب بدقة.
لذلك يجب على المؤسسات الأكاديمية والإعلامية تطوير سياسات واضحة وشفافة تحدد:
الشفافية
ضرورة الإفصاح بوضوح عند استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى صحفي أو بصري.
التحقق من المخرجات
إلزام مراجعة كل ما تنتجه الأنظمة الذكية من نصوص أو صور أو فيديوهات لضمان الدقة وخلوها من التزييف أو الأخطاء.
مكافحة التضليل والتحيز
التأكد من أن الأدوات لا تعزز روايات نمطية أو تمييزًا قائمًا على النوع أو الدين أو العرق.
تحديد المسؤولية
التأكيد على أن المسؤولية القانونية والأخلاقية عن المحتوى تقع على الجهة المنتِجة، وليس على التقنية.
إنشاء أدلة مهنية داخلية
وضع سياسات تحريرية ومعايير استخدام داخل المؤسسات الاكاديمية لضبط استخدام AI.
ويُستحسن أن يُدرَّس هذا المحور كجزء من التدريب الإعلامي للطلبة، حتى لا يكون الاستخدام مجرد استعراض تقني، بل ممارسة واعية ومسؤولة تُراعي البعد القيمي والاجتماعي.
المحور السابع: التوصيات الأكاديمية
في ظل التحولات المتسارعة في الصناعة الإعلامية، تصبح الجامعات – لا سيما كليات الإعلام – مطالبة بوضع خارطة طريق واضحة لتأهيل الجيل القادم من الإعلاميين والمعيدين لاستخدام الذكاء الاصطناعي بوعي، إبداع، وأخلاق. فيما يلي توصيات عملية قابلة للتنفيذ:
إدماج مساقات الذكاء الاصطناعي في مناهج الإعلام
تأسيس مختبر إعلام رقمي داخل الكليات
تنظيم ورشات تدريب عملية للطلبة
إصدار أدلة مهنية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم